ضمن خطتها الرامية الى نشر مبادئ القانون الدولي الإنساني على الصعيد الوطني والإقليمي وفعالياتها لشهر آذار من هذ العام استضافت اللجنة الوطنية للقانون الدولي الإنساني عبر تقنية الإتصال المرئي (زووم) يوم الإثنين الموافق 15/3/2021 أستاذ القانون الدولي العام في جامعة الكوفة الدكتور أحمد الفتلاوي في لقاء خاص تحدث فيه عن “القانون الدولي الإنساني والهجمات السيبرانية” في حوار أداره رئيس اللجنة الفريق م.مأمون الخصاونه.
وركز الدكتور الفتلاوي بموضوع هذا اللقاء على علاقة القانون الدولي الإنساني بالهجمات السيبرانية والتحديات التي تواجه هذا القانون في تحديد الجهة المسؤولة ومحاسبتها، ثم عن التحديات الأخرى المتصلة مسؤوليتها بالجنائية الدولية، معرفا الهجمات السيبرانية وفقا لدليل تالين لعام 2013 حسبما عرفها مايكل شميت على أنها “مجموعة من الإجراءات التي تتخذها الدولة للهجوم على نُظم المعلومات المعادية بهدف التأثير والإضرار بها، وفي الوقت نفسه للدفاع عن نُظم المعلومات الخاصة بالدولة المهاجمة” مشيرا الى وجوب توفر ثلاثة معايير مجتمعة لتحديد نواة معيار الضرر وهي:
- أضرار واسعة النطاق.
- أن تكون طويلة الأمد أي آثارها تستغرق فترة زمنية.
- أن تكون بغرضٍ، أي عملية استخدام هذا السلاح أو هذه الوسيلة من أجل أن يكون واسع النطاق وطويل الأمد.
موضحا في هذا السياق بعض من الأمثلة للهجمات السيبرانية مثل الهجوم السيبراني الذي شنته اسرائيل على المفاعل السوري، والهجوم السيبراني على استونيا سنة 2007 الذي تم تنفيذه من قبل أكثر من جهة وأدى الى تعطل كافة أنظمتها، والهجوم على البرامج الصحية الطارئة المتعلقة بظاهرة كورونا عام 2020، والهجوم الذي استهدف مختبرات جامعة اكسفورد مؤخرا.
ومن منظور القانون الدولي الإنساني يرى الدكتور فتلاوي أنه لا يوجد أساس واضح لتمييز العمليات السيبرانية وتصنيفها ضمن قواعد هذا القانون سيما وأنه عند إبرام اتفاقيات لاهاي لعام 1899-1907 واتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949 والبروتوكولان الإضافيان لعام 1977 لم يكن حينها وجود يُذكر للهجمات السيبرانية، ما يعني أنها لم تُقنّن بأحكامٍ خاصة تنظّم استعمالها من الناحية القانونية علما بأن القانون الدولي الإنساني أفرد مجموعة من القواعد التي يمكن الإسترشاد بها والتي تهدف إلى الحد من آثار النزاعات المسلحة سواء كانت دولية أم غير دولية كما تضمن القانون مبادئ وقواعد أساسية تحكم اختيار وسائل القتال وأساليبه فبموجبه على سبيل المثال يجب على المتحاربين احترام وحماية المرافق الطبية والعاملين فيها في جميع الأوقات وبالتالي فإن الهجمات السيبرانية ضد قطاع الرعاية الصحية مثلا أثناء النزاع المسلح تُمثّل في معظم الأحوال انتهاكًا للقانون الدولي الإنساني، وعلى النهج ذاته يتمتع المدنيون والأعيان المدنية والأشياء التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين بحماية خاصة بموجب مبادئ القانون الدولي الإنساني وبذلك تُكفَل حماية قوية للبنية التحتية المدنية الحيوية ضد آثار الهجمات السيبرانية في أثناء النزاعات المسلحة.
وركز الدكتور فتلاوي على التداخلات بين القانون الدولي الإنساني والقانون الجنائي والسبراني سيما وأن القانون الدولي الإنساني يركز على الآثار وليس على الوسيلة وأن من أكبر التحديات التي تواجه القانون الدولي الإنساني في الهجمات السيبرانية صعوبة تحديد المسؤل عن الهجوم والمنفذ وكذلك صعوبة الحصول على الدلائل والبينات التي تدين من له علاقة بالهجوم ولغاية اليوم لم يتوصل الخبراء الدوليون إلى اتفاق بشأن مقدار الضرر أو الإصابة المطلوبَين من الهجمات السيبرانية لبدء نزاع مسلح دولي، وبذلك فإن تصنيف الهجمات السيبرانية يحتاج أيضا الى معايير توضح الجانب الظاهري والجانب المعنوي معا.
وتطرق الدكتور الفتلاوي الى أمثلة مختلفة في هذا السياق كهجوم سيبراني مثلا على سدود عملاقة لدولة ما يتحكم بتعطيل أنظمتها لتؤدي الى إغراق مساحات كبيرة، أو الهجوم على أجهزة التبريد في المفاعلات النووية التي قد تؤدي الى كارثة نووية، أو التحكم بأنظمة متابعة المرضى الكترونيا مما سيؤدي الى كارثة صحية، لافتا الى أن العديد من الدول الغربية توجهت في العصر الحاضر الى نهج جديد وهو تخريج جنود سيبرانيين بعد تدريبهم وتأهيلهم أكاديميا ليكونو مهيئين لتنفيذ هجمات سيبرانية.
وفي مداخلة للدكتور القاضي محمد الطراونة عضو اللجنة الوطنية للقانون الدولي الإنساني والذي تحدث بدوره عن تجربة الأردن في هذا المجال حين أدركت الأردن منذ عام 2000 أهمية الحرب السيبرانية كأول دولة عربية وأنشأت على أثرها وزارة الإقتصاد الرقمي وكانت أيضا ثاني دولة تصدر قانون خاص بالأمن السيبراني عام 2016 ، وبين الطراونة بأن اللجنة ستقوم بإفراد موضوع الهجمات السيبرانية بشكل موسع ضمن صفحات النشرة السنوية التي تصدر عن اللجنة في عمان نظرا لأهميته.
كما تحدث الدكتور عمر العكور عضو اللجنة متسائلا عن قواعد القانون الدولي الإنساني في تغطية هذه الجريمة من خلال اتفاقيات جنيف وعن معيار جسامة الواقعة وتحديد عقوبتها وعن كيفية التعامل معها أثناء السلم.
ودار حديث حول مسؤولية الشركات الأمنية التي تتعاقد مع الدول وتمارس أعمال سيبرانية وعن كيفية تحديد مسؤوليتها ومسؤولية الجهة المتعاقدة معها، وعن حق الدولة الدفاع عن نفسها سيبرانيا بمنظور القانون الدولي الإنساني، وعن عقوبة المدنيين الذين يتم معاملتهم معاملة العسكريين وأسرى الحرب ممن يتم تكليفهم من قبل الدولة بهجمات سيبرانية.
وفي ختام اللقاء شكر الفريق م. مأمون الخصاونة الضيف الدكتور أحمد الفتلاوي على ما أثراه من معلومات قيمة بموضوعالحرب السيبرانية مؤكدا على أهمية هذا اللقاء في ظل تسارع التقدم في علوم التكنولوجيا التي أصبحت تستخدم في الحروب السيبرانية وتؤدي الى أضرار تتقاطع مع قواعد القانون الدولي الإنساني المعني بحماية المدنيين أثناء النزاعات لافتا الى أن موضوع الهجمات السيبرانية يعتبر تهديدا مباشرا للمجتمع الدولي ولم يكن الحديث بهذا الموضوع بالسهل حيث يدخل فيه تعقيدات كثيرة من حيث صعوبة تحديد الفاعل والمسؤول عن الجريمة وتجريمه ونوع الجريمة وتصنيفها وغيرها من التوثيقات الأخرى التي لا يمكن بدونها محاسبة المسؤول إذ “لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص”.
ودعى الخصاونة جامعة الدول العربية لحث المجتمع الدولي الى ضرورة التعاون في هذا المجال للوصول الى وثيقة محددة تبحث موضوع الهجمات السيبرانية على مستوى الأمم المتحدة.
*حضر اللقاء عدد من خبراء القانون الدولي الإنساني والعديد من المهتمين في هذا المجال من أقطار الدول العربية حيث أجاب الدكتور الفتلاوي المشاركين على أسئلتهم المطروحة،،
ومن جهته تقدم رئيس اللجنة الوطنية للقانون الدولي الإنساني الفريق م.الخصاونه بجزيل شكره للمشاركين على تفاعلهم في هذا اللقاء مؤكدا تكرار عقد لقاءات اخرى في موضوع الحروب السيبرانية لما لهذا الموضوع من أهمية.